نشأة النقابات دوليا ومحليا
1- نشأة النقابات المهنية :
يذهب جمال البنا إلى أن الطوائف هي أقدم تنظيمات عرفها الإنسان وأنها وجدت في معظم دول العالم تحت أسماء مختلفة ، وبصورة متفاوتة من الدقة والإحكام تبعا لدرجة تقدم الحرفة أو الصناعة في المجتمع .
والطوائف عبارة عن منظمات تقوم على أساس المهنة أو الحرفة ، وتجمع كل من يعمل في هذه الحرفة أو المهنة وكانت قوة الطائفة أو ضعفها تتحدد على أساس قوة أو ضعف الحرفة التي تمثلها ومدى حاجة المجتمع إليها ففي القاهرة كانت طائفة (الحمامية) من أقوى الطوائف ، ولم تكن كذلك في أوربا وعلى العكس كانت طائفة (البراميلجية) – الذين يصنعون البراميل للنبيذ – كانت طائفة قوية في أوربا ولم تكن كذلك في مصر .
وكانت الطائفة تتولى كل ما يتعلق بالحرفة أو الصناعة ولاية تامة ، فكانت تحدد عدد الورش وعدد الصناع في كل منها ، وعدد الصبيان ، وساعات العمل ، والأجازات، كما كانت تحدد طريقة الأداء وتحرص على أن تتم طبقا للأصول المقررة … باختصار كانت تحتكر كل ما يتعلق بالحرفة . وجاءت نهاية الطوائف نتيجة التطور الصناعي من ناحية ، ولإساءة المعلمين والشيوخ استعمال سلطاتهم ومحاولاتهم حصر الحرفة في أبنائهم وأتباعهم وتضييق باب الدخول فيها تسبب في حدوث انشقاقات وظهور طوائف من الصناع النابهين ثاروا على التقاليد القديمة وعندما حدثت الثورة الصناعية في إنجلترا إبان الثلث الأول من القرن الثامن عشر دخلت هذه الطوائف في حرب مع الصناعة الآلية وقضت عليها .
وعلى أنقاض طوائف الصناع ونتيجة للتطور الصناعي ودخوله الآلة والقوة المحركة ظهرت ” النقابات العمالية ” وارثة الكثير من تقاليد الطوائف. وفي منتصف القرن التاسع عشر ( 1851) ظهرت في إنجلترا ” جمعية المهندسين المندمجة ” التى تكونت باندماج عدد من النقابات العمالية الصغيرة في الصناعات الهندسية مثل الخراطين والميكانيكيين واللحامين كأول نقابة حرفية على المستوى القومي .
ووضعت هذه النقابة – التى رزقت نجاحا كبيرا – مقومات النقابة المهنية – أو الحرفية كما كان يطلق عليها في إنجلترا – وحذا العمال في الصناعات الكبرى حذو ” جمعية المهندسين المندمجة ” حتى رسخت مقومات هذه النقابة في بريطانيا وأصبحت عرفا مقررا .
هذا وقد مثل ظهور جمعية المهندسين المندمجة انشطارا للنقابات المهنية عن النقابات العمالية والتى كانت تضم جميع العمال والصناع بدون تفريق بينهم ، في حين اقتصرت عضوية النقابات المهنية ممثلة في جمعية المهندسين المندمجة على العمال المهرة في الحرفة .
وفي مصر كان من الصعب حتى عام 1876 وضع حدود فاصلة بين النقابات المهنية والعمالية؛ فقد نشأت النقابات في مصر على شكل طوائف وروابط تجمع أصحاب المهنة أو الحرفة أو الصناعة الواحدة .
وقد ظل الأمر ملتبسا حتى([1]) شهد عام 1876 إنشاء المحامون أمام المحاكم المختلطة جماعة مصلحة لهم ( أى نقابة ) وصدر بها أمر عال رسميا في 9 يونية 1887 ثم تلاهم المحامون أمام المحاكم الأهلية حيث أسسوا جماعة مصلحة لهم في فبراير 1886 تمثلت في قيامهم بانتخاب لجنة كان من أعضائها سعد زغلول ، وسعت إلى إعداد لائحة خاصة بهم واستصدار أمر عال بها ، والذي صدر في ديسمبر 1888 ولم يكتب لها النجاح والاستمرار ، ثم حاول عدد آخر من المحامين أمام المحاكم الأهلية تشكيل جماعة مصلحة جديدة في 10/12/1897 والذين نجحوا في إصدار القانون 26 لسنة 1912 بشأن إنشاء نقابة المحامين المصريين .
وفي 20 يونيه 1916 صدر القانون رقم 15 لسنة 1916 بإنشاء نقابة المحامين أمام المحاكم الشرعية ؛ وبذلك أصبح في مصر ثلاث نقابات مهنية للمحامين ([2]) هي : نقابة المحامين أمام المحاكم المختلطة 1876 ، ثم نقابة المحامين أمام المحاكم الأهلية 1912 ، ثم نقابة المحامين أمام المحاكم الشرعية 1916 .
وفي 1949 صدر القانون 51 بإلغاء نقابة المحامين أمام المحاكم المختلطة ونقل جميع المحامين المقيدين بها إلى جدول المحامين أمام المحاكم الوطنية ، ونتيجة لإلغاء المحاكم الشرعية صدر القانون رقم 625 لسنة 1955 ونص على نقل جميع المحامين المقيدين بجداول المحامين الشرعيين إلى جدول المحامين أمام المحاكم الوطنية وهكذا أصبحت في مصر نقابة واحدة للمحامين ابتداء من أول يناير سنة 1956 .
كما كانت هناك مجموعة متنوعة من الروابط التي تضم المعلمين ([3]) من أبرزها رابطة التعليم الإلزامي التي نشأت عام 1924 ورابطة الأزهريين عام 1941 ، ورابطة المعلمين الجامعية عام 1942 ، وفي عام 1954 تكونت نقابة المعلمين لتضم كل العاملين في حقل التعليم مهما اختلفت مصادر إعدادهم المهنية .
أما نقابة التطبيقيين فقد تأسست عام 1969 وكانت تسمى ([4]) وقتها نقابة المهن التطبيقية ، ثم صدر عام 1974 القانون 67 بإنشاء نقابة التطبيقيين .
وفي عام 1951 صدر القانون رقم 133 الخاص بمزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة ([5]) وبعد ذلك بأربع سنوات صدر القانون رقم 349 لسنة 1955 بإنشاء نقابة المحاسبين والمراجعين ، وقبلها كان التجاريون قد نجحوا في إشهار نادي التجارة كنادي اجتماعي تابع لوزارة الشئون الاجتماعية وحين صدر قانون إنشاء نقابة التجاريين استمر النادي في العمل داخل نفس المبنى وإن كان لكل منهما اشتراكه المستقل و مجلته المستقلة .
وفي عام 1941 تم إنشاء نقابة الصحفيين وكانت ثاني نقابة مهنية يتم الاعتراف بها وإصدار قانون لها بعد نقابة المحامين .
وقد توالى بعد ذلك إنشاء باقي النقابات المهنية المصرية حتى وصلت إلى 24 نقابة مهنية وهي 🙁[6] )
1- نقابة المحامين تأسست 1912
2- نقابة الصحفيين تأسست 1941
3- نقابة المهندسين تأسست 1946
4- نقابة الأطباء البشريين تأسست 1949
5- نقابة أطباء الأسنان تأسست 1949
6- نقابة الأطباء البيطريين تأسست 1949
7- نقابة الصيادلة تأسست 1949
8- نقابة الزراعيين تأسست 1954
9- نقابة المعلمين تأسست 1955
10- نقابة السينمائيين تأسست 1955
11- نقابة المهن التمثيلية تأسست 1955
12- نقابة المهن الموسيقية تأسست 1955
13- نقابة التجاريين تأسست 1964
14- نقابة العلميين تأسست 1973
15- نقابة الاجتماعيين تأسست 1974
16- نقابة المهن الفنية التطبيقية تأسست 1976
17- نقابة مصممي الفنون التطبيقية تأسست 1976
18- نقابة الفنانين التشكيليين تأسست 1986
19- نقابة التمريض تأسست 1986
20- نقابة الرياضيين تأسست 1987
21- نقابة المرشدين السياحيين تأسست 1983
22- نقابة محفظي القرآن الكريم تأسست 1983
23- نقابة العلاج الطبيعي تأسست 1994
24- نقابة مستخلصي الجمارك تأسست 1994
ومن الملاحظ أن هناك اختلافا بين عدد أعضاء كل نقابة وتعتبر نقابة المعلمين أكبر نقابة مهنية حجما ، ثم يليها نقابة التجاريين ، ثم التطبيقيين ، ثم الزراعيين ، فالمحامين ، فالأطباء ، فالمهندسين …. الخ
وأخيرا توجد مجموعة من النقابات المهنية في مصر صغيرة الحجم لا يصل عدد أعضائها إلى أكثر من خمسة آلاف عضو فقط من ذلك نقابات الصحفيين ، والرياضيين ، والموسيقيين ، والمرشدين السياحيين ، والعلميين .
2- نشأة النقابات العمالية
نشأت أول نقابة في نهايات القرن التاسع عشر حيث تأسست نقابة عمال التبغ والتي كان يطلق عليها أيضا جمعية لفافي السجاير بالقاهرة وذلك سنة 1899 ، ومن الملاحظ انه لم يطلق لفظ (نقابة) على هذا التنظيم في بدايته ، بل استخدمت كلمة (جمعية) ويذهب الأستاذ أمين عز الدين إلى أن ذلك يرجع إلى العمال الأجانب الذين تولوا قيادة هذه التنظيمات حيث استخدموا كلمة (جمعية) باللغة الأوربية التي تكلموها وترجمت الكلمة إلى العربية على هذا النحو وكتبت على أعلام ومراسلات هذه التنظيمات .
من ناحية أخرى فإن كلمة (نقابة) في اللغة العربية كانت تطلق على تنظيم الطوائف والصناع الحرفيين ، ولهذا فالأستاذ أمين عز الدين يرجع ذلك إلى ان العمال الوطنيين لم يقبلوا على استخدامها حتى لا يختلط الأمر أو تمييزا لحركتهم عن الطوائف المندثرة .
وقد تمكن الأستاذ أمين عز الدين من حصر هذه الجمعيات النقابية التي ظهرت من خلال الاضطرابات المتوالية في الفترة من 1899 إلى 1907 وهذه الجمعيات هي ، جمعية لفافي السجائر بالقاهرة ( 1899) وكان يرأسها يوناني الجنسية ويدعى دكتور كريازي ، وجمعية اتحاد عمال الخياطين بالقاهرة ( 1901)، وجمعية عمال الأدوات المعدنية (1902) وجمعية عمال السجائر بالإسكندرية (1902) وجمعية كتبة المحامين بالقاهرة (1902) ، وجمعية عمال الدخان المختلطة (1903) وكانت خاصة بعمال مصنع موتوسيان([7]).
وإذا كان إجمالي عدد أعضاء النقابات المهنية في مصر تجاوز أربعة مليون عضو فإن عدد أعضاء نقابات العمال يبلغ حوالي 3.5 مليون عضو ، ومن الأهمية هنا التذكير بأن عضوية النقابات العمالية اختيارية وفقا لقانونها وليست إجبارية مثل النقابات المهنية ، ومن ثم فإن عدد الأعضاء بها ( 3.5 مليون ) لا يتطابق مع إجمالي عدد العمال في مصر والذي يقدر بحوالي 13 مليون عامل .
[1] د/ أحمد فارس عبد المنعم – نشأة المحاماة في العصر الحديث .
[2] أماني قنديل المرجع السابق ص 12
[3] جمال البنا المرجع السابق ص22 ، 23
[4] جمال البنا المرجع السابق ص35
[5] أماني قنديل المرجع السابق ص 15
[6] أماني قنديل المرجع السابق ص 14 .
[7] المؤرخ العمالي / أمين عز الدين ، تاريخ الطبقة العاملة المصرية منذ نشأتها حتى 1919 ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ص68 ، 69