ما هو الفرق بين النقابات المهنية والعمالية
النقابات – مهنية أو عمالية – شريحة من مجتمعها وهيئة من الهيئات التي تكون في مجموعها ” دولة المؤسسات ” وهناك من يخلط في بعض الأحيان بين كليتهما لمجرد أنهما يسبقهما كلمة (نقابة) لذلك فإن التفرقة بينهما أمر ضروري سواء من حيث الطبيعة القانونية أو الهيكل التنظيمي أو المؤهل الدراسي كشرط للعضوية النقابية وذلك على النحو التالي :
-
الطبيعة القانونية للنقابات المهنية والعمالية :
في 20/7/1994 أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتواها رقم 88/1/56 والتي جاء بها أنه (من مطالعة قوانين النقابات المهنية أن الوصف المهني لا يلحق بأي من هذه التنظيمات بموجب قيام التكوين النقابي بالدفاع عن حقوق الأعضاء ومصالحهم شأن النقابات العمالية ، كما لا يلحق أيا منها أيضاً لمجرد قيام النقابات بمساندة أعضائها بتطوير مهاراتهم أو تحديث أدواتهم أو تنمية دخولهم أو الإفساح لهم في فرص الرزق كما هو الشأن في الروابط والجمعيات. وإنما اطردت سنن التشريع وسياسته على أن يلحق الوصف المهني هذا النوع من النقابات التي يصدر بها قانون ينظم فيما ينظم شئون ضبط النشاط المهني المعني والإشراف على ممارسته ورقابة مزاولته. مع حصر الأداء المهني في المقيدين بالنقابة ، فمن تتوافر فيهم الشروط المحددة بالقانون ، ومن يرسم إجراءات قيدهم في سجلات النقابة وأحوال رفض القيد وطرق التظلم من قرار رفض القيد ، والطعن فيه ، وأن يتاح للتكوين النقابي بموجب إشرافه على حسن الأداء المهني مكنة متابعة نشاط الأعضاء ومساءلتهم عن الإخلال بواجباتهم المهنية ، وتوقيع الجزاءات على من يخل بهذه الواجبات سواء بوقف ممارسة المهنة أو إسقاط العضوية أصلاً. مع شمول التنظيم النقابي المهني تجريم مزاولة المهنة دون قيد بالنقابات المهنية ، ومن ثم فقد استقر الفقه والقضاء على اعتبار هذا النوع من النقابات من أشخاص القانون العام القائمة على إدارة مرفق عام، مما يدخل أصلاً في صميم اختصاص مجلس الدولة ، وكل مما يستقرأ من نظم نقابات مهن المحاماة والطب والهندسة والتجاريين والصحفيين والزراعيين وغيرهم).
كما استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على اعتبار المهن كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها مرافق عامة، مما يدخل أصلاً في صميم اختصاص الدولة أن تتخلى عن هذا الأمر لأعضاء المهنة أنفسهم لأنهم الأقدر علي إدارة شئون مهنتهم مع تخويلهم نصيباً من السلطة العامة يستعينون به على تأدية رسالتهم مع الاحتفاظ بحقها في الإشراف والرقابة تحقيقاً للصالح العام ، فإن ذلك لا يغير من التكييف القانوني لهذه المهن بوصفها مرافق عامة.
ولذلك فقد أستقر الفقه والقضاء على اعتبار النقابات المهنية من أشخاص القانون العام بيد أن نقابات العمال تختلف عن النقابات المهنية من عدة وجوه ؛ ، إذ يحكم تكوين النقابات العمالية مبدأ الحرية النقابية حيث يقوم تكوين المنظمات النقابية العمالية على مبدأ حرية الانضمام إلى المنظمة النقابية أو الانسحاب منها ، وعلى ذلك لا تدخل نقابات العمال في عداد النقابات المهنية التي تكون من حقها احتكار مزاولة المهنة . وقد أكدت ذلك الأعمال التحضيرية للقانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية التي تسري أحكامه طبقاً للمادة (1) منه على النقابات المهنية وحدها ، إذ جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية الآتي ” تعديل المادة الثانية (التي تتناول شروط صحة انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة أو الفرعية) بحذف عبارة ” سائر التنظيمات النقابية ” وذلك منعاً من اللبس بينها وبين التنظيمات النقابية العمالية ” بما يؤكد استبعاد نقابات العمال بمنظماتها المختلفة من عداد النقابات المهنية التي يسري بشأنها القانون المشار إليها ، وهو ما أشارت إليه فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ملف رقم 88/1/56 بتاريخ 20/7/1994 سالف الذكر.
كما ذهبت المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر بجلسة 15/4/1995 في الدعوى رقم 6 لسنة 15ق (دستورية) إلى أن ” الأصل في النقابة المهنية هي أنها تعد من أشخاص القانون العام التي تتوخى تنظيم شئون المهنة وحمايتها من الدخلاء عليها ، مع ضمان حقوق أعضائها في ممارستها على مسئوليتهم ولحسابهم الخاص. غير أن تطوراً مفجعاً أصابها وأخرجها عن حقيقة وظائفها ، وباعد بينها وبين المهام التي كانت تقوم أصلاً عليها ، حين انضم إليها بقوة القانون من لا يعملون لحسابهم ولا يمارسون استقلالاً مهنة حرة على مسئوليتهم ، بل يتبعون رؤسائهم في الحكومة ووحدات الحكم المحلي والقطاعين العام والخاص ويؤدون عملهم تحت إشرافهم لقاء أجر ، مما ألحق الضرر بالحركة النقابية العمالية وأضعفها بخروج هؤلاء عن تجمعاتها وحصولهم من نقاباتهم المهنية على عديد من المزايا التي جذبتهم إليها …. ”
كما جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة وهيئة مكتب اللجنة التشريعية من القانون رقم 35 لسنة 1976 ، إذ جاء بها ” أن النقابات المهنية بحسب المبادئ الأساسية الحاكمة لها سواء في القانون المصري أو القانون المقارن عبارة عن أشخاص عامة أو مؤسسات عامة مهنية عهدت إليها الدولة باختصاصها الأصيل في تنظيم شئون المهنة التي يمارسها الأفراد كمهنة حرة لحسابهم الخاص وتحت مسئوليتهم. ويمنح المشرع هذه النقابات بقانون، الشخصية القانونية وبعض لسلطة العامة وبعض المزايا المالية التي تمكنها من تحقيق الغرض الأصلي من وجودها ، باعتبار ان اعضاء النقابات المهنية هم الأفراد الذين يمارسون هذه المهن الحرة لحسابهم الخاص تحت إشراف النقابة التي تخضع لوصاية الدولة ، ولذلك فالمبدأ الأساسي الذي يحكم هذا النوع من النقابات أن الانضمام إليها إجباري بقصد ضمان عدم ممارسة الأفراد للمهن الحرة التي تقوم هذه النقابات على تنظيمها وحمايتها من الدخلاء عليها ، وحماية الحقوق المهنية لأعضائها ورفع المستوى العلمي والمهني والفني لهؤلاء الأعضاء.
وفي ضوء ما تقدم يتبين أن المنظمات النقابية العمالية بمختلف مستوياتها لا تعتبر من قبيل النقابات المهنية.
هذا وقد انقسم الرأي حول تحديد الطبيعة القانونية للمنظمات النقابية المختلفة ، فذهب رأي إلى أن النقابات العمالية وإن كانت بحسب نشأتها التاريخية وباعتبارها صورة من صور الجمعيات الخاصة ، تعتبر من أشخاص القانون الخاص ، إلا أن الدور الذي يقوم به في الوقت الحاضر بمشاركتها الفعلية في تخطيط السياسة العامة للعمل وتنظيمه ومناقشة المسائل المتعلقة بالأجور والأسعار وإلى غير ذلك وما قرره لها المشرع من حق إبرام العقود الجماعية ، وما تحقق لها من سلطات لائحية في مجال تنظيم العمل أو المفاوضة الجماعية ، أو تنظيم الإضرابات العمالية ، وما لها على أعضائها من سلطة التأديب يضفي عليها صبغة شبه عامة.
على حين ذهب رأي آخر إلى اعتبار تلك المنظمات مؤسسات خاصة ذات نفع عام باعتبار أن التكييف هو الذي يتلاءم مع الأهداف التي تسعى النقابات إلى تحقيقها وما تتمتع به من صلاحيات ، وقد لقيت وجهة النظر هذه انتقادات عديدة في الفقه لاختلاف الخصائص القانونية بين النقابات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام ، إذ تنشأ المنظمات النقابية على أساس مبدأ الحرية النقابية الذي يقضي بحرية العمال في تكوينها ، بينما تكتسب المؤسسة ذات النفع العام الشخصية القانونية بقوة القانون وعن طريق التنظيم الإداري ، كما أنه بينما تمارس النقابة نشاطها مستقلة في مواجهة الدولة فإن المؤسسة ذات النفع العام تمارس نشاطها في ظل إشراف إداري عليها بواسطة السلطات العامة ، في حين ذهب رأي وهو ما نرجحه إلى اعتبار النقابات العمالية من أشخاص القانون الخاص ؛ ذلك أن غايتها كما حددتها المادة 8 من القانون 35 لسنة 1976 هي حماية الحقوق المشروعة لأعضائها والدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروف وشروط العمل. كما أن الدولة لا تقوم بإنشائها ، بل يتعلق تكوينها بإرادة مكونيها ولا تتدخل الدولة في تعيين القائمين على إدارة المنظمات النقابية ، بل يختارهم أعضاؤها بأنفسهم عن طريق الانتخاب طبقاً للقانون 35 لسنة 1976 سالف الذكر ولا تملك النقابة في علاقتها بأعضائها حقوق السلطة العامة كإرغام الأفراد على الانضمام إليها أو على البقاء فيها إذ يحكم تكوين هذه النقابات – كما سبق بيانه مبدأ حرية الانضمام والانسحاب ، وهو ما أكدته المادة 3 من القانون المشار إليه ، ولا تملك المنظمة النقابية تحصيل حقوقها بطريق الحجز الإداري ، بل تتولى الجهة الإدارية الممثلة في وزارة القوى العاملة ومديريتها ومكتب القوى العاملة كل في دائرة اختصاصه بالقيام بإجراءات الحجز الإداري ، كما هو الحال في تحصيل الاشتراكات بطريق الحجز الإداري الذي يتم من قبل الجهة الإدارية في حالة امتناع جهة العمل عن خصمه وتوريده ، وليس للقائمين على تلك المنظمات صفة الموظفين العموميين ، كما أنها تخضع في علاقتها القانونية لاختصاص القضاء العادي ، وعلى ذلك لا تنطبق على المنظمات النقابية المختلفة بما في ذلك الاتحاد العام لنقابات العمال قواعد القانون العام التي تنظم المصالح العامة ، ومن ثم تعتبر تلك المنظمات بمختلف طبقاتها من أشخاص القانون الخاص.
وخلاصة القول أن النقابات المهنية بحسب المبادئ الأساسية الحاكمة لها سواء في القانون المصري أو القانون المقارن عبارة عن أشخاص عامة أو مؤسسات عامة مهنية عهدت إليها الدولة باختصاصها الأصيل في تنظيم شئون المهنة التي يمارسها الأفراد كمهنة حرة لحسابهم الخاص وتحت مسئوليتهم ويمنح المشرع هذه النقابات بقانون الشخصية القانونية وبعض السلطات العامة وبعض المزايا المالية التي تمكنها من تحقيق الغرض الأصلي من وجودها.
والانضمام إلى هذه النقابات إجباري بقصد ضمان عدم ممارسة الأفراد للمهن الحرة التي تقوم هذه النقابات على تنظيمها بقصد حمايتها من الدخلاء عليها ، وحماية الحقوق المهنية لأعضائها ورفع المستوى المهني والعلمي والفني لهؤلاء الأعضاء.
أما النقابات العمالية فهي من أشخاص القانون الخاص ، ذلك أن الدولة لا تقوم بمنحها سلطات عامة كإرغام الأفراد على الانضمام أو على البقاء ، إذ أن تكوين هذه النقابات يتعلق بإرادة مكونيها ، ويحكمها مبدأ حرية الانضمام والانسحاب ، وهي ليست قوامة على إدارة وتنظيم مهنة داخل المجتمع شأن النقابات المهنية فيقتصر دورها على الدفاع عن أعضائها وتطويرها وحمايتهم ، والمساهمة في تحقيق بعض الخدمات لهم بجوار دورها القومي والوطني في الدفاع عن المصالح القومية والوطنية للمجتمع.
وفي النهاية أرى أن التنظيم القانوني للنقابات العمالية من كون اعتبارها من أشخاص القانون الخاص هو الذي يتوافق مع معايير الحرية النقابية الدولية لأنه يعطي للنقابة استقلالها ، ويعطي للأعضاء حرية الانضمام والخروج ، وكذلك حرية الإنشاء ، وهو ما يختلف تماماً عن النقابات المهنية التي يعلق إنشاؤها على صدور قانون من الدولة ، وعضوية الأعضاء إجبارية كشرط لمزاولة المهنة وغيرها من الفروق السابق ذكرها والتي تبعد النقابات المهنية عن الوصف النقابي وتجعلها أقرب إلى الوصف الإداري أو الوظيفي.